السبت، 31 ديسمبر 2016

لماذا يكثر طفلي من قول لا؟

"لا"
التي تصنع شخصيته


طفلك في عامه الثاني تقريباً وأصبحت أكثر كلمة يجيدها هي "لا"؟ لايتقبل أي أوامر منك؟ أصبح كثير الرفض؟ يجيب أغلب طلباتك بكلمة "لا"؟ .. لا تقلقي فهو تطور طبيعي جدًا، بل أزيدك من الشعر بيتًا، إنه أمر صحي وينبئ بالخير ويجب أن ننميه!

ببلوغ الطفل عامه الثاني تبدأ تتشكل شخصيته، ويسعى في تكوين شخصيته المستقلة واتخاذ قراراته بذاته، يريد أن يشعر أنه صاحب إرادة واختيار، ويصدر هذا في شكل رفض مستمر لكل ما تطلبينه، فحينما تخبرينه أن عليه الذهاب إلى النوم الآن فتكون الإجابة "لا"، وإذا أخبرتِه بأنك تريدين منه ارتداء تلك الملابس فيسارع بالرفض، بل ما يستفزك أكثر هو أنه في بعض الأحيان يبادر بالرفض قبل أن يعلم أصلًا ما الذي تريدينه منه، هوّني عليكِ، فكلنا هذه الأم.

أولًا: أريد منكِ أن تفكري بهدوء، ماذا تريدين أن يكون طفلك بالمستقبل؟ هل تريدينه ذلك الشخص الواثق بنفسه والمتحكم في قرارته، أم تريدينه مترددًا تابعًا إمعةً؟ .. إننا نحن المسئولون عن البناء السويّ لشخصيات أطفالنا، فترك المجال لهم لتشكيل شخصيتهم دون خوف عقاب أو غضب أحد الوالدين، ومساعداتهم على اتخاذ قراراتهم والقدرة على الاختيار، وتقبل أفعالهم وتصرفاتهم، كل هذا هو ما يعطيهم شعورًا بالأمان ويساعدهم على النمو بصحة نفسية سليمة.
رفض ابنك لأوامرك وتكراره كلمة "لا"، ليس لإغاظتك أو لأنه طفل عنيد، الأمر أبسط وأجمل من ذلك، فقط هو يكبر وتنضج شخصيته، يريد أن يرسم بنفسه صورة ذاته بريشة اختياراته.




بعدما علمنا مدلول كلمة "لا" عند طفلك، يبقى سؤال ( كيف أتعامل مع كلمة "لا"؟)
بعدما فهمنا لماذا يقول الطفل "لا" وأن هذا نابع من إرادته للاستقلالية، وعلمنا أننا يجب أن نشجعه على ذلك، إذًا سيكون التصرف الصحيح هو إشباع تلك الرغبة، بمعنى أنه حين يرفض ارتداء ملابس النوم التي جهزتيها له بــ "لا أريد" = أجيبيه أنتِ بــ "حسنًا! لقد فهمت أنك لا تريد ارتداء تلك الملابس، إذًا، أي الملابس تريد؟"، دعيه يختار بنفسه ملابسه.
وهناك حل رائع ومريح وسلس، الاختيار!، دعيه يختار بين اختيارين أو ثلاثة بحد أقصى، مثلًا، حين يرفض أكل العسل = خيّريه بين العسل والجبن والبيض، ودعيه هو يختار، فبهذا تكونين قد أشبعتي رغبته، وقللتي الضغط عن نفسك.

أيتها الأم الكريمة، نعلم جميعًا أن الأمر ليس سهلًا، فهو تشكيل شخصية إنسان، وكلّه الله إليكِ لتقومي على رعايته وتنشئته، وعلى الرغم من صعوبة الأمر، إلا أن حلاوته في انتظارك عند وصول قطار جهدك إلى محطة الثمار والنتائج، وتيقني أن الله ما أوكله إليكِ إلا وهو يعلم أنك تستطعين، فاسأليه العون وإصلاح الذرية، وتوكلي عليه دائما وأبدًا.

ودمتم في سعادة وحب ..


الجمعة، 23 ديسمبر 2016

كيف أقوي مناعة ابني النفسية؟!

كيف أقوي مناعة ابني النفسية؟!

منذ اليوم الأول للطفل في هذه الدنيا نهتم بمناعته الجسدية، وهذا عن طريق التطعيمات الدورية التي يأخذها من أول يوم.
إذًا ما هو التطعيم؟
"التطعيم هو عبارة عن حقنة تحتوي على كائنات مجهرية لها دور في أمراض معينة تحقن داخل الجسم لاكتساب مناعة ضد الأمراض التي تسببها تلك الكائنات المجهرية"
أي إننا نُدخل إلى جسد الطفل جزءًا من المرض لنشجع جهازه المناعي ليقوى على محاربة هذا المرض فيما بعد.

كذلك المناعة النفسية لدي الأطفال، يجب أن أهتم ببعض الأشياء منذ نعومة أظفارهم لتقوية مناعتهم النفسية ضد أمراض الاكتئاب والفشل وعدم القدرة على تحمل المسئولية.


وسأذكر لكم هنا بعض الأشياء التي يجب أن تعتبر بمثابة تطعيم نفسي للأطفال:
1-حضن الأم، وهو أهم وأقوى تطعيم يأخذه الطفل منذ أول ساعة له في هذه الدنيا، فالطفل كان يمكث لمدة تسعة أشهر في بطن أمه، يتمتع بالسكون والهدوء، لا أضواء ولا ضوضاء في عالمه، ثم ما إن يأتي إلى الحياة حتى يصطدم بزحمتها وأصواتها الصاخبة وأنوارها القوية، وهذا بالطبع يشعره بخوف وقلق شديد، ولا يوجد شئ يمثل له الأمان كحضن أمه.
ويبقى حضن الأم بهذه الأهمية طوال مراحل النمو المختلفة، فهو أكثر محفز نفسي يجعل الطفل يشعر بالأمان والحب، ويورث عنده سلامًا داخليًا.

2- يجب أن نترك أطفالنا يجربون كل شئ بأنفسهم، دعي طفلك يحاول تفكيك اللعبة وتركيبها دون تدخل منك لإخباره بأنه هكذا سوف يخرب ألعابه، ربما تخرب اللعبة حقًا، ولكن سوف يُكوّن ولدك خبرة أهم وأغلى من تلك الألعاب.
اتركيه يلعب بالشكل الذي يناسبه، يقعد على الزحليقة مقلوبًا ويحاول النزول بظهره، يقلب الكرسي ويجلس بداخله ويمثل دور قيادة سيارة بدلًا من الجلوس عليه، يغير قوانين اللعبة ويبتكر قوانين جديدة .. دعيه يفعل ما يشاء دون تدخل منك، اتركيه يكتشف بنفسه ودعيه يجرب، ربما يخرج بما هو أجمل مما توقعتِ.

3- لا تكثري من مدحه لفعل الصواب بالتصفيق وإعطاء الهدايا والحلوى، دعيه ينمي دافعه الشخصي للنجاح.
كثرة المدح تقتل عند الطفل الدافع الشخصي للنجاح وتجعل الهدف الرئيسي عنده للنجاح هو مدح الآخرين وعطاياهم.
فقط شجعيه بكلمات طيبة "احسنت / جيد"، وامدحي العمل الذي قام به "رسمة جميلة وتنسيق ألوانها جميل"، ولا تبالغي بمدحه "أنت أفضل رسام بالعالم"بل ممكن أن تخبريه انه موهوب في الرسم وأنك تتمني أن يكون رساماً بارع في المستقبل.
 ولا تبالغي في المدح على العمل "هذه أجمل رسمة رأيتها في حياتي" .. دعيه ينجح لأنه يريد أن ينجح، ويفعل الصواب لأنه صواب وليس لأنه سيرضى أحدًا أو ينال إعجابه.

4- لا تجعلي قلقك على الطفل أو شعورك بأنه ما زال صغيرًا يمنعك من تركه يتعلم الاعتماد على نفسه وينمي مهاراته.
دعي طفلك يحاول النهوض والتمسك ببعض الأشياء ليتعلم المشي دون أن تظهري له قلقك ودونما يدفعك هذا القلق لمنعه من فعل ذلك.
دعيه يحاول أن يتعلم إطعام نفسه بنفسه، ارتداء ملابسه، غسل يده وأسنانه بمفرده.
وعندما يكبر أكثر دعيه يتعلم حل مشكلاته بنفسه وما عليكِ سوى المراقبة من بعيد وتقديم المساعدة إذا طلبها هو.
دعيه يختار هو بين الصواب والخطأ بعد أن توضحي له عواقب كل اختيار، ثم دعيه يتحمل هو العواقب.
وإذا اخطأ وفشل مرة وضّحي له أن هذا هو بداية النجاح وعلّميه كيف يستفيد من أخطائه.

5- أشعري ابنك أنه فرد وجزء من الأسرة، لذا فهو عليه واجبات كباقي الأفراد، لا تتحملي أنت وأبوه دائما المسئولية عوضًا عنه في كل شئ، دعيه يشارك.
فوّضي إليه أيضا بعض المسئوليات الخاصة به هو، كأن يعطي المال بيده للبائع، أو يضع الملابس في الغسالة، أو يقدم الضيافة للضيوف، كل طفل بحسب سنه.
مساعدة الطفل في المنزل وتحمله لبعض المسئوليات له أكثر من ميزة، فمثلًا هذا يجعله أكثر ثقة في نفسه، ويُشعره بأنه عضو فعّال وإيجابي ومرغوب فيه، وينمي مهاراته ويعطيه خبرات مختلفة في الحياة، ويرفع قدرة الاعتماد على نفسه وتلبية حاجاته دون الحاجة لطلب المساعدة الدائم.

6- اسمحي له بمجالسة  اشخاص مختلفين عنه في السن والوضع الاجتماعي والمستوى المادي والثقافي، لا تضيقي عليه الخناق بصداقات المدرسة والأطفال الذين في سنه فقط، لا بأس من الجلوس مع البائع والصيدلي والنجار وغيرهم، مع مراعاة تأكدك من أنهم أشخاص صالحون ذوو أخلاق طيبة.
أيضًا شجّعيه على تعلم المهارات منهم، لا مانع من جلوسه مع البائع في البقالة ليتعلم كيف يقوم بالبيع، ويجلس مع النجار ليرى كيف يعمل ويتعلم بعض المهارات منه.
هذا سوف يكوّن عنده خبرة ممتازة ويكسبه معلومات هائلة.

أخيرًا ..
نريد أن نصنع أفرادًا أصحاء نفسيًا، أفرادًا منسجمين نفسيًّا واجتماعيًّا مع أنفسهم ومع بيئتهم، يشعرون بالسعادة مع أنفسهم ومع الآخرين، ويكونون قادرين على تحقيق ذاتهم واستغلال قدراتهم وامكانياتهم إلى أقصى حد ممكن، قادرين على مواجهة مطالب الحياة.